أذنبت ذنبا وهو أني كنت على علاقة- عبر الإنترنت- مع شاب خلوق، وبعد فترة أنهى هو هذه العلاقة، من باب الشرع وأنه لم يجد عندي الدين، بعد ذلك أنا ندمت وخفت من الله وتبت ولكن بعد عشرة أشهر عاد ثانية، فكلمته، والآن أنا في حيرة، ونار التوبة في قلبي ولكن ما وجدت سبيلا لذلك، أرجوكم ساعدوني وخذوا بيدي. والسؤال الثاني: أني دائما متضايقة وقلبي مقبوض رغم أني أحب الله وأحب التقرب منه ولكن الظروف دائما تعيقني، حتى القرآن لا أقرأه وإذا قرأته لا أحس براحة، وكذلك في صلاتي لا أجد الطمأنينة، ودائما أكون حائرة وكارهة للحياة، وأتمنى الموت ولكن أتوقف وأقول بماذا ألاقي الله ؟!!، بأي أعمال ؟؟!! وقد بحثت عن أخوات صالحات فلم أجد، الكل ملهو بنفسه، حتى الأخوات الملتزمات لم أجد عندهن القلب الكبير، ولم أجد بينهن من تهون علي وتعطيني النصيحة، لذا فأنا أخشى أن أموت قبل توبتي، و جزاكم الله ألف خير، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.تقول الأستاذة منيرة عثمان مستشارة لإسلام أون لاين:إن الله رحيم بعباده، فهو أرحم بنا من أنفسنا، ومن رحمته وفضله علينا أن تشعر قلوبنا بألم الذنب، فالنار والحيرة التي في قلبك يا أختي هي فضل ومنة من الله عليك، وها أنت يتألم قلبك للمعصية فتلجئين إلى الله عز وجل، تصححين مسارك وتعلنين توبتك، فتذوقين حلاوة التوبة والقرب منه سبحانه .فهناك الكثير من البشر لا يشعرون بألم الذنب، وقلوبهم من كثرة المعاصي قد أغلقت، كما ذكر المولى عز وجل حالهم في القرآن الكريم بقوله سبحانه: "كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ"، فاحمدي المولى عز وجل أن منً عليك بقلب يشعر بألم المعصية ويرغب في الرجوع إليه سبحانه، فهذا من محبة الله لك وفضله ورحمته عليك. وأنصحك يا أختي بالآتي:-أولاً: عليك- حبيبتي- بالالتجاء إلى الله عز وجل وسؤاله أن يعينك على نفسك، ثم عليك بالعزم على قطع هذه العلاقة والتوبة والإنابة إليه سبحانه، فإن سماحة هذا الدين لا تجعل المذنب في آخر القافلة بسبب ذنبه الماضي، بل إنه إذا ما تاب واستغفر ولم يصر تاب الله عليه، ومن رحمته بعباده، أنه لا يطرد من يلجا إليه بعد طول معصية، ولو كانت ذنوبه مثل زبد البحر، قال تعالى: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ). فهيا- يا حبيبتي – هبي إلى ربك، قفي على بابه، ابتهلي إليه، ناجيه واطلبي منه العون والمغفرة، ولا تتردى في قطع هذه العلاقة مع هذا الشاب، فان رحمته سبحانه وسعت كل شيء وهو كريم لا يخيب ظنك في العون، قال تعالى: (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ). وعليك أن تطبقي شروط التوبة لكي تكون توبتك مقبولة، وأذكرك بهذه الشروط وهي:1- الندم والاستغفار وتعظيم الذنب- الذي وقعت فيه- في نفسك حتى لا تعودي إليه، فقد بين الإمام أبو حامد الغزالي رحمه الله أن من أسباب تحول الصغائر إلى كبائر-إضافة إلى الإصرار علي الذنب – استصغار الذنب، فالذنب كلما استعظمه العبد في نفسه صغر عند الله، وكلما استصغره العبد في نفسه كبر عند الله. فيجب عليك ألا تنظري إلى صغر الذنب ولكن انظري إلى عظم من تعصي. 2- الإقلاع عن الذنب، فللذنوب ثقلها على قلب المسلم وآثارها السيئة على حياته، فهي تثبط الهمة عن العمل وتحبط المسلم عن الطاعات وتجعل في قلبه ضيقا وانقباضا. 3- عدم الرجوع إلى الذنب ثانية. ثانياً: عليك أن تدركي أن الإنترنت و الشات يجب توظيفهما لما يرضى الله، وأن الشات مع الجنس الآخر إن كان ضروريا فهو فقط للعمل أو الدراسة وما شابه ذلك من أمور ضرورية للحياة، شريطة أن يكون الحديث في حدود الشرع وبطريقة رسمية . فإن كنت ضعيفة أمام هذا الشاب ولا ترغبين في إنشاء علاقة لا هدف منها إلا الألم والحيرة فعليك أن تقطعي العلاقة معه فورا، وألا تفتحي الإنترنت– ولو لمدة معينة- إلا للضرورة القصوى حتى تتعودي على عدم الحديث مع هذا الشاب. واعلمي أن هذا سيحتاج منك إلى جهد كبير خاصة وأنك قد تعودتي على الحديث معه، ولكن في سبيل إرضاء الله عز وجل يهون كل شيء، وأيضا في سبيل راحتك أنت، لأن الله جعل كل حكم شرعي فيه حكمة ورحمة وراحة للإنسان يعلمها من يعلمها ويجهلها من يجهلها . ثالثاً: عليك أن تشغلي نفسك بأمور هادفة لأن النفس البشرية إن لم تشغليها بالخير شغلتك بالشر فحاولي توسيع دائرتك الاجتماعية والثقافية وإن وجدت فرصة لحضور مجلس علم لأهل العلم الموثق فيهم لا تتردى، فمجالس العلم روض من رياض الجنة، وهى تقوى المسلم على فعل الطاعات وتقربه من المولى عز وجل. فقد روى مسلم وأبو داود عن أبي هريرة رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله عز وجل ، ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده). كما أن لمجالس العلم ثمرات على قلب المسلم وسلوكه، وهى معين للمسلم على شهوات وهفوات نفسه، بالإضافة إلى أن مجالس العلم محط نظر الله عز وجل ومكان تجمع الملائكة والرحمة. رابعاً: بالنسبة للضيق وانقباض القلب وعدم الطمأنينة في كل الأوقات وكراهية الحياة رغم محبة الله قد تكون بسب البعد عن الله، لأن حب المولى عز وجل يورث السعادة والطمأنينة في القلب، وفي بعض الأوقات يضيق الله الحياة على العبد ويشعره بالانقباض في قلبه حتى يعود إليه ويقف على بابه ويلجأ إليه ويحاسب نفسه فيعترف بالذنب والتقصير فيغمره بالرحمة والمغفرة والعفو والفرج والطمأنينة. وقبل دخولك في الصلاة استعدى وتذكري أنك تقفين بين يدي مالك الملك واحمديه على أن منً علينا باللقاء به 5 مرات في اليوم والليلة بدون حاجز أو واسطة أو سبق موعد، وتذكري أن الصلاة معراج قلب المسلم. فقفي مع نفسك والجئي إلى الله بالدعاء بأن يشرح صدرك وأن يغفر ذنبك، فمع الدعاء والالتجاء واستشعار عظمة المولى عز وجل والثقة واليقين بعفو الله ورحمته والخشوع في الصلاة والاستعاذة من وسوسة الشيطان والذكر الدائم لله والاستغفار والصلاة على رسول الله ستشعرين بالراحة والطمأنينة. فالطمأنينة تأتى بالذكر والأوبة إلى الله واللجوء إليه، فهو القائل سبحانه في كتابه الكريم: (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ). فالمسلم يحتاج باستمرار إلى تجديد عهده مع الله، كما يحتاج إلى وقفة مع نفسه لمحاسبتها على تقصيرها والتذلل لله والالتجاء إليه بالدعاء والبكاء والإلحاح حتى يكون من الأوابين والتائبين إلى الله عز وجل دائما. خامساً: اجعلي في بيتك ركنا للصلاة وقراءة القرآن وعبادة الله عز وجل، واحرصي على نظافته وتعطيره وتهيئته، وإن كانت نفسك تحول بينك وبين قراءة القرآن فاستعيذي بالله من الشيطان الرجيم، ويمكنك التغلب على ذلك في البداية بالإكثار من الاستماع إلي أشرطة مسجل عليها القرآن الكريم. واصبري في البداية إن شعرتي بضيق أو عدم ارتياح لأن الشيطان قد يوسوس لك بالضيق والانزعاج فاستمري في الدعاء والالتجاء إلى الله وطلب العون منه. سادساً: حبيبتي إن الحياة خلقت من أجل أن يعمرها الإنسان ويكون خليفة الله في الأرض والله عز وجل خلقنا لعبادته، قال تعالى في كتابه العظيم: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ)، لنكون سعداء لا أشقياء، والقرب من الله عز وجل والصلة به تجعل المسلم في غاية السعادة، فالسعادة الحقيقية ليست في المال أو الجاه وإنما بقضاء العمر في طاعة الله والسعي لنيل رضاءه، قال تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ). فلا تجعلي لليأس أو الشيطان سبيلا بأن يكدر عليك حياتك بل افتحي صفحة جديدة في حياتك وجددي العهد مع الله بالرجوع إليه، وضعي لنفسك في هذه الحياة هدفا تسعين لتحقيقه، فأنت فتاة مسلمة ويجب أن يكون لك دور كبير في هذه الحياة، فالمولى عز وجل كرم المرأة وجعل لها مكانة ودورا في الحياة، فأنت الأخت المخلصة والابنة البارة والمجاهدة والمثقفة وفى المستقبل الزوجة الصالحة والأم الحنونة التي تنجب الأبطال. فثقي بالله وبنفسك وابدئي حياة جديدة بعهد جديد ووسعي دائرة معارفك وأصدقائك وإن وجدت جمعية خيرية تقوم بأعمال تفيد المجتمع فلا تتردى في الحصول على الثواب. وبالنسبة للارتباط والزواج فإنه رزق من الله عز وجل وباب الدعاء مفتوح فتوجهي إلى المولى عز وجل بالدعاء أن يرزقك بالزوج الصالح الذي يرضى الله ويرضيك ويكون خير معين لك في الدنيا والآخرة.وابحثي عن أخوات في الله يعينونك على السير في الطريق، وما أجمل ما قاله ابن عطاء السكندري وهو ينصحنا قبل اختيار الإخوان والأصحاب: (عاشر من ينهضك حاله ويدلك على الله مقاله)، واسألي المولى أن يرزقك أخوات صالحات، ونحن أخواتك في الله فلا تتردى في الإرسال لنا فنحن معك وننتظر رسائلك وتواصلك. وفقك الله وأعانك ورزقنا وإياك محبة الله ومحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم.