الزواج علاقة بين اثنين من الخلق (ذكر وأنثى)، اتفقا على أن يُكملا مسيرة الحياة، واختارا أن يكونا أُسْرة، ويكون الولاء لهذه الأُسْرة، ويتنازل الكل عن ماضية. ومن المعتاد أن تمر الحياة الزوجية بأمور جميلة ومنغصات.. ومن الطبيعي أن يتخللها بعض المشاكل، التي إن عرف الطرفان التعامل معها مرت بسلام، وإن لم يكن لديهما الخبرة الكافية أو حتى فن التعامل، أو لأي سبب آخر كتدخل الأهل والأقارب أو الأصدقاء، قطعاً ستؤول هذه البيوت إلى الخراب عاجلاً أم آجلاً..! ومن المفترض أن تكون البيوت أسراراً مهما حصل بين الطرفَيْن..!هكذا هي سُنّة الحياة، والله سبحانه يقول {وجعلنا بينكم مودة ورحمة}.. والسؤال المطروح: ما درجة المودة والرحمة ومقياس التفاهم والود بين هذين الطرفَيْن..؟هناك - مع الأسف - مَنْ يعتبر الزواج متعة، ومنهم مَنْ يعتبره تسلية.. والبعض الآخر تكملة عدد أو واجباً اجتماعياً لا أكثر ولا أقل، وأغلب الفتيات بخاصة في الفترة الأخيرة تطمح بالزواج إما للهروب من المنزل وسطوة الأبوين والإخوة أو لتحقيق الأحلام بالسفر والعيش الكريم، وأحلام أخرى..!!؟؟إذاً، لم يكن الزواج من أجل ما كان معمولاً به في السابق.. بل أصبح - مع الأسف - من الشكليات.. ومن هنا بدأنا نلاحظ كثرة المشاكل الزوجية وانتشار الفساد وزيادة نسبة الطلاق بين المتزوجين حديثاً. ومن خلال الرجوع إلى إحصائيات الطلاق الصادرة من الجهات المختصة نجد نسباً زائدة في الطلاق في السنوات الخمس الأخيرة عنها في العقد السابق، وقد لاحظنا من خلال إحصاءات منشورة أن نسبة الطلاق في منطقة الرياض تمثل النسبة الأعظم بأكثر من 30% من الحالات عام 2010، تليها منطقة القصيم 26% ثم المنطقة الشمالية. وجاءت أغلب أسباب الطلاق مخجلة؛ فهي أسباب بسيطة، لا تستوجب العتب، فما بالك بالطلاق..!! ولكنها الثقافة والوعي؛ حيث جاءت الأسباب المادية في المرتبة الأولى، بعدها التدخلات الأسرية، وبخاصة تدخلات الأم في الحياة الزوجية.. ومن هنا جاءت المطالبة بعقد دورات مكثفة للزوجين قبل الزواج، تُسمى دورات الثقافة الزوجية؛ ليعلم كل طرف ما له وما عليه.. بدأت الدورات، ولكنها على استحياء ـــ مع الأسف ـــ، وما زلنا نطالب بالمزيد وتكثيف الثقافة الزوجية، ولا مانع من إعطاء دروس بالثقافة الجنسية من منظور إسلامي وما حددته الشريعة الإسلامية السمحة، لِمَ لا..؟؟ وما المانع من المكاشفة وإعطاء التعاليم والإرشادات لكلا الطرفين؛ حتى لا يكون هناك نفورٌ؛ ومن ثَمّ نُحِدّ من ظاهرة الطلاق، ونُحِدّ من خطورة التفكك الأسري الذي بدأ ينتشر..!؟ثم ألا يجوز أن نُطلق لأنفسنا العنان بالتسامح والتراضي، إن لم يتم الاتفاق؟.. لماذا لا يكون هناك طلاق بالتراضي.. طلاق أخلاقي؟.. لماذا تنعدم لدينا ثقافة الطلاق والانفصال؟ أليس بيننا  عِشْرة عُمْر وأولاد.. قضينا فترة من الزمن كانت جميلة بعض الشيء وسيئة في سنواتها الأخرى؟.. ألا نغفر لبعضنا البعض، ويكون الطلاق بالتراضي ((طلاق إيجابي))..!!  نظل نتواصل من أجل الأولاد.. لماذا تنعدم لدى البعض أخلاقيات الطلاق والانفصال وتأخذه العزة بالإثم ((وركوب الرأس)) فلا بد من خلع أو جرجرة محاكم..؟!! لماذا يظل بعض الرجال متعنتاً، ولا يريد الحلول السلمية؟.. هل من الأفضل أن ننفصل بالتراضي ويظل الاحترام باقياً بيننا.. أم محاكم ومشاكل لن تنتهي ألا بالكُرْه والبغضاء..؟ كنت أتمنى أن نزرع من ضمن تعليماتنا ودروسنا لأبنائنا تلك السمات الأخلاقية التي تدعو إلى الرقي وفن التعامل مع الآخر أياً كان هذا الآخر.. نزرع في مجتمعنا ثقافة التعامل مع الغير، واحترام رغبات الآخرين.. حتى لو كان على حساب أنفسنا.. والعِبْرة في النهايات؛ لأن النتيجة قطعاً ستكون مُرْضية للجميع، وسنرى أن الرقي وفن التعامل يكسبانك احترام الآخرين..هل نرى في الفترة القادمة ونسمع عن ((طلاق مسيار)) كما هو معمول به في زواج المسيار؟؟.. طلاق يقوم على احترام رغبات الآخر.. اتفاق بين الطرفَيْن للانفصال، ولكن تظل العشرة والمودة والحرص على عدم تشتت الأولاد وتشريد أذهانهم والانعكاسات السلبية على حياتهم.. ويكون الصالح العام شعارنا؟.."طلاق مسيار" يقوم على الاحترام.. وزيارة الأولاد  والاطمئنان عليهم والمشاركة في بناء مستقبلهم.. دون زعزعة مَلَكة فن التعامل.. وإبقاء جانب أننا كنا زوجين في الماضي، بعد الاقتناع التام بأن الانفصال هو الحل الإيجابي والحل الأمثل لبقاء العِشْرة الطيبة، وإبقاء الأولاد بعيدين عن التفكك أو الأمراض النفسية.. هكذا هو الرقي.. وفن التعامل.. حتى لو كان الاختيار قاسياً، ولكن تظل المصلحة العامة فوق الاعتبارات العائلية وكلام الناس وغيرها من الوساوس التي ما أنزل الله بها من سلطان. وأخيراً، أتمنى ألا نرى ولا نسمع عن أي طلاق، وأن يبعدنا الله جميعاً عن المشاكل، وأن نرى أُسَراً متفقة مترابطة.. وإن حدث ـ لا قدّر الله ــ رغماً عن الطرفين بسبب تراكمات الحياة ومنغصاتها فليكن طلاقاً إيجابياً..