مع ظهور وسائل التقنية الحديثة وثورة المعلومات التي شهدها مطلع القرن الحالي، ظهرت بعض الإشكالات التي تتمثل في استخدامات حديثة لهذه الوسائل، ومنها ما يتعلق بالتواصل بين الشباب مثل فيس بوك وماسنجر وسكايبي وغيرها مما يسمى بـ (غرف الدردشة) التي أصبحت تستهوي الشباب من كل الأعمار والميول، فكثيراً ما نجد أحدهم أو إحداهن وقد علقوا السماعات على رؤوسهم وانخرطوا في حديث متواصل يتفاوت في موضوعه وجديته بحسب اختلاف الثقافات وأساليب التربية والرقابة الأسرية. فما هي الضوابط التي تضمن أن يكون هذا الحوار نافعاً وملتزماً بآداب الإسلام وشروط الذوق العام؟ وكيف السبيل إلى استغلال هذه الآليات الجديدة للإفادة منها في نشر الدعوة الإسلامية؟ وكيف لنا أن نحصن أبناءنا ضد ما قد يلجأ له الآخرون من محاولات للطعن في الدين أو هز الثوابت؟ "الرسالة" اهتمت بالأمر وطرقت أبواب بعض المفكرين والمهتمين الذين أفادوا بما يلي:تسريع التواصلبداية يشير الدكتور عوض القرني المفكر الإسلامي إلى أن مثل هذه الوسائل أسقطت الحواجز، وجعلت التواصل بين الناس أسرع وأعمق مما كان عليه في السابق، وجعلت التأثير أسهل، وبالتالي فإن مثل هذه الوسائل ستكون وسائل تأثير إيجابية أو سلبية، فلو أن من يستخدمون هذه الوسائل سعوا إلى الاستفادة منها في أمور إيجابية ستكون النتيجة إيجابية أيضاً، ولو استخدموها في أمور انصرافية وسيئة فإنها ستكون حتماً ذات تأثير سلبي على أنفسهم وأسرهم ومجتمعاتهم.وأوضح القرني إمكانية أن يؤثر مستخدمو هذه الوسائل على الأصدقاء الذين يتحدثون معهم إلى درجة قد تصل إلى تغيير الأديان في بعض الأحيان، وقال: هنالك مؤسسات ومنظمات إسلامية وغير إسلامية على مستوى العالم تعمل من خلال هذه الوسائل بتواصل، وتنشر مبادئها وقيمها وعقائدها وأخلاقها، وهناك أشخاص اعتنقوا الإسلام عن طريق هذه الوسائل، وهناك قلة ارتدوا عن دينهم.وختم القرني كلامه قائلاً: من نعمة الله على المسلمين أن هيأ لهم مثل هذه الوسائل، فعلى الأشخاص الذين يستخدمونها أن يقوموا باستغلالها لنشر الدين، لأن المسلمين يحملون دوماً دينهم المتفق مع الفطرة، والذي إن عرفه غير المسلم على حقيقته لآمن به. كما أن شباب المسلمين أقل تعرضاً لخطورة هذه الوسائل، لأن لديهم حصانة عقدية راسخة، ولكن المشكلة حين نقصر عن استخدام هذه الوسائل. لذلك أدعو جميع المؤسسات الدعوية والفكرية والثقافية الإسلامية أن ترقى بأساليبها وطرقها، وأن تفعِّل استخدام هذه الوسائل العصرية حتى يكون دورها أكبر بكثير مما يتم الآن.التركيز على الدينمن جانبه يرى الشيخ محمد الدويش رئيس مجلس إدارة مؤسسة المربين أنه من الطبيعي أن يؤثر مثل هؤلاء الأصدقاء الافتراضيون الذين يستخدمون مثل هذه الوسائل على الجيل الجديد، سواء إيجاباً أو سلباً، ويقول: هنالك وسائل تزيد من تواصل الناس وبالتالي فإن مثل هذه الوسائل غير التقليدية تتطلب أن يكون الاتصال بشكل مباشر، فالشاب يتواصل مع أناس لا يعرفهم، وهذه الوسائل الجديدة غيَّرت الوضع ومن المؤكد أنها ستؤثر على كل من يستخدمها، وسيكون التأثير مرتبطاً بكيفية الاستخدام، فإما أن يكون إيجابياً أو يكون سلبياً.وحذَّر الدويش من التأثير السلبي لهذه التقنيات على العادات والتقاليد منوِّهاً إلى أن القضايا الدينية والشرعية من المحاور الأساسية للنقاشات التي تدور، ومن القضايا التي يهتم بها الناس بشكل كبير، وقال: عندما تتواصل الفتيات بشكل خاص مع الآخرين غالباً ما يكون محور النقاش عن الحجاب وعلاقة الفتاة مع الآخرين. مثل هذه الوسائل المستحدثة مثل ماسنجر وفيسبوك وسكايب وغيرها لها آثار عديدة على التربية فهي عناصر دخيلة أصبحت تمثل مصدراً من مصادر المعرفة والاتجاهات الجديدة، وتقدم أفكاراً ورؤى للحياة تختلف تماماً عن ما تراه الأسرة والمدرسة والمؤسسات التربوية.وأشار الدويش إلى أن الجديد الذي تقدمه هذه الوسائط هو تسهيل التواصل وإتاحته لجميع الأعمار وكل الفئات وفي كل الأوقات، فأصبح الشباب والأطفال عرضة لكثير من المؤثرات التي تؤثر فيهم وتساعد في تشكيل وعيهم ومعرفتهم.أثار كبيرةوبدوره يوضح الدكتور عبد الله العسكر المحاضر بجامعة الخرج الأثر القوي والكبير لثورة الاتصالات والانترنت، قائلاً: المتابع لهذه الوسائل يلحظ أن هناك تغيرات هائلة في أساليب التواصل بين البشر: ذكورهم وإناثهم , ولا أحسب أن عاقلاً يشك في الآثار البالغة لهذه الوسائل على المتعاملين معها, وأنه أثر يتشعب إلى اتجاهات كثيرة, ابتداءً بالأثر العقدي وهو أخطرها، وما يتبعه من تأثيرات على السلوك والمعرفة, ويمتد الأثر حتى يطال الجوانب الاقتصادية والصحية للفرد المتعامل مع هذه الوسائل.وأوضح العسكر أن غرف المحادثات صارت متنفساً لكثير من فئات المجتمع، خاصة الشباب ويقول: أثبتت الدراسات أن أعمار 75 % من الشباب المنخرطين في غرف الدردشة يتراوح بين 18 – 35 سنة، وهي مرحلة بالغة الخطورة؛ لأن العقل لا يصل قبلها إلى مرحلة النضج؛ وبالتالي يتعرُّض هؤلاء لموجات التغيير بدرجة أكثر من غيرهم .وأكد العسكر أن الدردشة في هذه الغرف تفتقر في الغالب إلى الهدف الواضح في ظل إهدار عشرات الآلاف من الساعات يومياً, وهي كمية كبيرة من الوقت, لو حسبناها سنوياً لوجدنا أن ملايين الساعات تضيع هدراً على مدار العام, ولو تم توظيف هذه الطاقات بصورة إيجابية لكان المردود أكثر نفعاً.ويوضح العسكر السبيل للاستفادة من هذه التقنية بالقول: يجب أن نتعامل مع وسائل الاتصال المذكورة ليس على اعتبار أنها تطور تقني فقط؛ بل باعتبارها تطوراً علمياً ودعوياً وفكرياً واجتماعياً؛ ولهذا فإن على المربين وقادة الفكر أن يولوا عناية بالغة برواد هذه التكنولوجيا، وذلك من خلال التثقيف وزيادة الوعي والتحصين المبني على رقابة الله تعالى. فالعلم الشرعي يمكن أن يكون درعاً بالغ الأهمية، وحصناً حصيناً لمواجهة طوفان الحرب الدينية والأخلاقية والفكرية التي ترد من خلال هذه الوسائل. على أن يكون ارتيادنا لهذه الغرف بقدر معقول ووقت محدود، وألا تصرفنا الحوارات والتعرف على صداقات جديدة عن القيام بواجباتنا الشرعية والاجتماعية وإلا فسنقع كما وقع كثيرون ضحايا لما يسمى بإدمان الانترنت، وهو أمر خطير وآثاره لا تخفى على كل ذي لب رشيد.وختم العسكر قائلاً: تحذيرنا من هذه الوسائل لا يعني بالطبع هجرانها بالكلية؛ وإنما ينبغي ترشيدها والإفادة منها في إيصال رسالتنا السامية للعالمين وبيان محاسن ديننا وبصورة متقنة وعرض جذاب يواكب هذا التطور المذهل في طرق عرض المعلومة وإقناع الآخرين.