طالبة جامعيّة تقول: أصاب جوّالي عطل مفاجئ، فذهبت لإصلاحه عند فنّي جوالات، ولم أنتبه لما يحتويه من صور خاصّة بي، وعند استلامي له بعد الإصلاح، بَدَأَتْ تَرِدُني رسائل وسائط تحمل صورًا لي من صاحب المحل، يطلب خلالها صداقتي، ويعرض تلبية كلّ طلباتي.. على الفور أخبرت أبي وأمّي بما حدث، فقاما بإبلاغ الشّرطة التي تعاملت مع البائع، واقتصّت منه بعد ما تمّ تحرير محضر ضدّه.مشهد يختصر الطّريقة المُثلى في أسلوب التّعامل مع من باع دينه بتحقيق نزوة حقيرة لتحقيق شهواته في المال أو الجنس، وهو أسلوب حكيم من فتاة تحلَّت بالحصافة والعفّة والإيمان، فلم تتساهل أو تضطرب مع الذّئاب المبتزّين، بل انتهجت مسارًا واضحًا كالشّمس، سِماتُه عدم الرّدّ عليهم، وعدم الاستجابة لإغراءاتهم وتهديداتهم.إنّها الطّريقة المُثلى لتتخلّص الفتاة من ضغط المبتزّ لها، وذلك باللّجوء إلى والديها ومصارحتهم دون تردّد بفحوى ما تتعرّض له من ابتزاز، فكلّما كانت الاستعانة بالوالدين في مرحلة مبكّرة من المعاكسة أو الابتزاز، كان العلاج أكثر يُسرًا وفاعليّة ممّا قد يكون بعد أن تتنازل الفتاة المؤمنة عن أشياء أغلى بكثير من مجرّد الصّورة أو الرّسالة العاطفيّة، فإن خشيت ردود فعل عنيفة منهما فلتستعن بمن تثق بعلمه وحكمته من إخوتها وأسرتها، فإنّما يأكل الذّئب من الغنم القاصية. ولتعلم أنّ سياط والديها وأسرتها أهون عليها ألف مرّة من افتراس هذا الذّئب والاستجابة لنزواته. ومن هنا أبعث برسالتين مهمّتين:الأولى: للفتيات فأقول لهنّ:إنّ تسجيل المكالمات، والتّصوير أو الحصول على الصّور من جهاز الحاسب الآليّ أو الهاتف الجوّال، وكذا التّعرّف على الأسرار الخاصّة، هذه كلّها أدوات الذّئاب لابتزاز الفتيات وتهديدهنّ وإذلالهنّ. . فإنّ الذّئب المُبْتَزّ يعمد إلى استخدام التّقنيات ووسائل الاتّصال الحديثة لممارسة التّهديد المباشر ضدّ الفتاة وتحريضها أو إجبارها على ممارسة الرّذيلة، أو من أجل الحصول على المال تحت رداء الحُبّ أو الزّواج.وأنتِ حين تضعين صورة لك في جهاز حاسبك الآلي أو في جوّالك الشّخصيّ، أو ترسلينها من خلال الإنترنت أو البلوتوث.. فتيقّني أنّك تقومين بمجازفة شديدة الخطورة، مجهولة النّتائج، عالية التّكاليف، فإنّ التّقنيات الحديثة جاءت لتلبية الحاجات المهمّة في حياة البشر، وتسهيل أمور الحياة اليوميّة، وأمّا حين تتحوّل إلى تَرف وتهاون ومباهاة؛ فهي هنا أقرب إلى منطقة شديدة الانفجار لا يعلم خطره إلاّ الله.ولكي نكون واضحين جدًّا فإنّ الفتاة هي من توحي للشّاب بفكرة الابتزاز، هي من تفتح الباب لاصطيادها، وهي من تُصرِّح بأسرارها، وهي من ترسل أو تتساهل في المحافظة على صورها وخصوصيّاتها. . كما أنّها تُوجِّه للمعاكس والمبتزّ دعوة صريحة حين تكون متبرّجة، صاحبة ملابس لافتة للنّظر، كثيرة الضّحكات والتّعليقات مع زميلاتها في الأسواق وعند الخروج من المدرسة، إنّها هنا (فريسته المنتظرة).إنّ الوقاية خير من العلاج، ومن الوقاية للفتاة المؤمنة في شأن المعاكسات والابتزاز، الحجاب السّاتر، وعدم الخضوع بالقول، واصطحاب المحرم إلى مجمعات الرّجال، واقتصار دخول الشّات والمنتديات على المواقع الآمنة، فإنّ "الشّات" و "المنتديات المختلطة" ميدان تواصل بين الجنسين، ومادّتها في الغالب: الكتابة والمحادثة والصّور الثّابتة والمتحرّكة، وفيها اشتعال العاطفة، وسقوط الكُلفة، وغياب الرّقيب، والحقيقة المجهولة، والصّداقات بين الجنسين مُشرعة مزيّفة، والأقنعة حاضرة، فعلى الفتاة المسلمة أن تكون واعية، مسؤولة عن نفسها، حافظة لدينها وعِفَّتها وشرفها وسُمعة أسرتها.وأمّا الرّسالة الثّانية فهي للوالدين والأسرة فأقول:على الأسرة أن تدرك حجم تبعات استخدام أفرادها للتّقنيات الحديثة، فتسعى لتثقيفهم بطرائق التّعامل معها، والاستخدام الآمن لها، وتبيان مخاطرها.ثم إنّ تربية الفتاة منذ صغرها على ثقتها بنفسها، والإجابة عن تساؤلاتها بأريحيّة تامّة، واحتوائها تحت رداء أسرتها، واحترام ذوقها ورأيها وقناعاتها، وتعميق العاطفة والحبّ والمشاريع المشتركة بين الأسرة والأولاد، من أسباب حفظها في كِبَرِها، وأمّا حين تعتاد الفتاة على مصادرة رأيها في أسرتها، واغتيال الشّجاعة الأدبيّة في نفسها، وتربيتها تحت مطرقة الصّراخ والتّهديد، فغالبًا ما يصعب عليها قول "لا" لمن يرغب في ابتزازها، فإنّ الفتاة حين تفقد في أسرتها حاجاتها النّفسيّة الأساسيّة من الحبّ والانتماء والعلاقات المتينة وتحسّ بالجوع العاطفيّ، تتحوّل إلى شخصيّة ضعيفة فاقدة الثّقة بنفسها وأسرتها، وتبحث عمّن يروي حاجتها هنا أو هناك، فتستمطر أحيانًا من الآخرين الإعجاب، أو تتساهل في الحديث مع الشّباب، وهنا يمكن استدراجها.إنّنا مع تأكيدنا على أهميّة احتضان الأسرة لأفرادها، إلاّ أنّ افتقاده ليس مسوّغًا للفتاة للوقوع في هاوية المعاكسة والابتزاز، فلا شكّ أنّ هذه النتيجة حصاد ما بذرت يداها من الاستهتار والجهل وضعف الدّين والخُلُق.