لا نستطيع أن ننكر أن الإنترنت استطاع أن يستقطب جمهوراً عريضاً من الشباب على عكس وسائل الإعلام الأخرى، فقد أكد استطلاع قامت به إحدى المطبوعات العربية أن 60% من روّاد المقاهي في الوطن العربي يقضون الوقت في المحادثة، و20% منهم في تصفّح المواقع الثقافية، و12% في المواقع الطبية، والإلكترونية، أما المترددون على المواقع السياسية فهم 8%، كما أشارت دراسة أخرى إلى أن 80% من رواد المقاهي في الوطن العربي تقل أعمارهم عن 30 عاماً، حيث يشهد استخدام الإنترنت في العالم نمواً سريعاً، إذ زاد عدد المستخدمين من (16) مليون مستخدم في 1995م إلى (785) مليوناً في 2004 ، بنسبة 24 مليون مستخدم للعالم العربي.ورغم ما للإنترنت ووسائل الاتصال الحديثة من مميزات كثيرة بل وهامة، فإن لها الكثير من السلبيات على شبابنا بما تحمله من انفتاح شديد على الثقافة الغربية والفساد العلني، وقد حاولنا خلال هذه السطور رصد تأثير الإنترنت على الفتيات خاصة، خاصة وأن أحد المواقع الإسلامية على الإنترنت قد أجرى دراسة على مستخدمي الإنترنت وكانت النتيجة أن نسبة 46% يعانون إدمان الإنترنت. تواصلنا مع بعض " أسيرات الإنترنت" – كما وضحت إحداهن – لرصد هذه المخاطر ودور الأسرة لحمايتهن وتوجيههن، وفي المقابل رصد الجانب الآخر للفتيات اللاتي أخذن إيجابيات الإنترنت وتركن سلبياته بعيداً، فنجد فتيات يحملن في قلوبهن جراحاً لا ولن تندمل بسبب الإنترنت، في حين تتخذه غيرها سلاحاً للمقاومة في وقت لا تستطيع أن تحمل فيه السلاح!منه نجـــاهد !وفي بداية الحديث تقول مها 22 سنة من مصر: " الإنترنت مصدر مفيد لعملي وتخصصي، إذ أجد عليه الكثير من الأبحاث والدراسات المفيدة، حيث أدخل على مواقع الجامعات الأميركية والأوروبية وأحصل على دراسات متميزة لم أكن لأستطيع الوصول إليها أبداً، وفي الحقيقة لا أحب المواقع العربية لأنها تافهة إلى حد كبير خاصة ما يتعلق بالمرأة، فتحصر اهتمامات المرأة في المطبخ والديكور وغير ذلك مما لا يتفق مع اهتماماتي".وتتفق معها هالة 28 سنة من الأردن قائلة: " أنا أحب المشاركة في المنتديات الإسلامية وساحات الحوار، فهي تتيح لي التعرف على أخوات من جميع أنحاء العالم، تتفق اهتماماتنا ورؤيتنا للحياة والدعوة، وأعتقد أن الفتاة التي ترغب في الحفاظ على نفسها هي التي تحدد أي المواقع ترتاد، وأيها تتجنبها، فأنا عندما أكون في ضيق من شيء ما، أجد متنفسي على هذه المواقع الإسلامية الراقية، ففيها ترتاح نفسي من كل همومي، وأجد من الأخوات الصادقات ما يعينني على الصبر".أما هنادي 28 سنة من سوريا تقول: " في الحقيقة بدأت التواصل مع المواقع الإسلامية على الإنترنت منذ فترة ليست بطويلة، وفي الحقيقة وجدت الكثير من المواقع الرائعة التي تتيح فرص الجهاد الإلكتروني، من تدمير المواقع الإباحية والمواقع المسيئة للرسول عليه الصلاة والسلام، بل وكذلك بعض المواقع الصهيونية، وهذا شد انتباهي كثيراً، حيث عملت معهم فترة ليست بالقصيرة، إلى أن تزوجت ورفض زوجي تحميل برامج التدمير لأنها ضارة من الناحية الأمنية".ومن نفس الفكرة تقول آسية – من أسبانيا: " كلما أتذكر أننا مجرد لاجئين ممنوعين من دخول بلادنا، أجد لدي همة عالية للدعوة إلى الله، والإنترنت في الحقيقة أتاح لنا فرصة كبيرة للتواصل مع النصارى لمناقشة الأديان، والمناظرات الساخنة، ولغتي المتميزة أتاحت لي الانضمام لصفوف هؤلاء الدعاة، كما أدخل بعض الأحيان على المنتديات الطلابية والتي تفيدني كثيراً في دراستي"علاقات للتسليةورغم هذا الجانب المضيء لتعامل الفتيات مع الإنترنت، إلا أن الجانب المظلم قد يطغى عليه بآلامه حيث تقول حنان 17 سنة من قطر: " أجلس على الإنترنت بمعدل 3 ساعات يومياً وقد يزيد، وأبي وأمي دائماً مشغولون ولدي جهاز كمبيوتر خاص بي، وللأسف حياتنا المنغلقة لم تتح لي التعرف عليى أي أحد من الجنس الآخر، وكان الإنترنت يتيح لي ذلك، بل ويتيح الحديث في أمور قد أخجل من التحدث بها مع أي أحد وجهاً لوجه، فقد كنت أتحدث مع هؤلاء الشباب براحة دون أن يعرفوا هويتي، أو حتى اسمي وصورتي، لا لشيء فقط لأتسلى، وعاقبني الله عز وجل بعدما كنت من المتفوقات بالرسوب في بعد مواد التوجيهي، ولم أتب في الحقيقة إلا بعد اكتشاف أخي هذا الأمر ورقابته علي بحب وحنان دون قسوة، فالرادع الديني والرعاية الأسرية هامة للفتيات في مثل عمري".على ظلمات الطريق أحزان لا تفارقهنومن الوسط إلى الحضيض تبث لنا أفنان بحزن 23 عاماً تجربتها قائلة: " دخلت عالم الإنترنت منذ 3 أعوام، أمضيت وقتاً ًكثيراً في الكتابة في المنتديات الإسلامية، وخلالها تعرفت على شاب، كانت علاقتنا في البداية صافية لا يشوبها شيء حتى تطور الأمر وبدأنا ننزلق، لكنها لم تتعدى المكالمات الهاتفية، وتعلقت به لمدة عامين كاملين لم أستطع خلالهما قبول أي شخص يتقدم لخطبتي، وكان جاداً في محاولة السفر لنتزوج، لكن ظروفه كانت أقوى منا، وانطوت الصفحة على جراحنا معاً، عندما أيقنا أنه لا أمل في الزواج، وفي الحقيقة بعد هذه المشكلة أغلقت جهاز الكمبيوتر تماماً وتفرغت للعبادة والتقرب إلى الله،"فما يبدأ حراماً لا ينتهي بالسعادة أبداً".وكانت تجربة أفنان أبسط مما مرت به إخلاص من لبنان 24 حيث تقول :" وقعت أسيرة للعب العاطفي الذي يمارسه أغلب الشباب على الإنترنت ويصطادون الفتيات الجالسات على الإنترنت دون هدف واضح، فقد كنت أدخل إحدى غرف الدردشة لأكثر من عشر ساعات يومياً حتى " اصطادني " أحد الشباب، وكنا نتحدث لساعات عن مواضيع مختلفة تطورت وتعدّت الحدود فيما بعد، وبعد ذلك بدأ يطلب مني أن نلتقي في أي مكان لأنه على حد تعبيره لم يعد يستغني عني، وبدأ يقنعني بأنه يحبني ومتعلق بي، وأنه ينوي خطبتي؛ لأنه وجد الفتاة التي كان يحلم بها إلى آخره من الكلام الكاذب، كل هذا أخذ من رصيدي كفتاة عفيفة نفسيا، وأكره نفسي كلما أتذكر ما حدث بيننا من كلام حرام، وأنصح كل أم أن تكون رقيبة شديدة على ابنتها لتحميها وترعاها".سلاح ذو حدينورغم هذه الآلام اختلفت آراء الفتيات إذا ما كان الإنترنت انفتاحاً سلبياً أم إيجابياً حيث تقول أسماء : " الإنترنت يمثل انفتاحا لكل شرائح المجتمع بما فيهم المرأة، فهو وسيله اتصال لها بريقها الخاص فأنا أشعر وأنا ( اون لاين) أن العالم تحت قدمي، وكل ما أريده سيأتي أمامي بمجرد (كليكه) واحدة ،وأصبح من السهل الحصول على أي معلومة أريدها لم تكن متاحة ما قبل عصر الإنترنت، إلى جانب التواصل مع جنسيات وثقافات أخرى مما يعمق الأفق لدي ويكون لي خبرة أكثر في التعاملات الإنسانية، فخلق الفتاة هو المتحكم الرئيسي في خطورة الإنترنت، وأؤمن إن الفتاة غير المهذبة قد ترتكب الخطأ بالإنترنت أو بدون إنترنت، فالفتاة إن أحسنت استخدامه كان نعمة لها وإن فعلت العكس كان نقمة عليها وبدل أن يكون انفتاحاً يكون سجناً في عالم لا تستطيع الخلاص منه".في حين تقول أفنان :" الإنترنت يمثل خطراً داهماً على فتيات الإسلام ، حتى إذا كانت الفتاة ملتزمة وتخاف الله فالشيطان قد يغلبها، وتتجاوز الخطوط الحمراء، وتدخل أحد المواقع السيئة، أو إحدى غرف الدردشة اللاأخلاقية، ثم تعود وتندم ووقتها لاينفع الندم لأن عفة الفتاة لا تعوض حتى إذا تابت فتظل شوكة في قلبها لا تزول، خاصة وأن معظم الشباب يبحرون في محيط الإنترنت بمفردهم، وتعاني فتاة الشرق خاصة من التقييد والكبت أحياناً فيكون الإنترنت هو الملجأ، فتسعى لتجرب بدون أن يعرف الشخص الذي تتعامل معه هويتها، فلماذا إذن نترك الباب موارباً في وجههن , لنغلقه أفضل !".وأخيراً فالمرأة المسلمة يجب أن تكون واعية بما ينفعها وما يضرها، والإنترنت كوسائل الاتصال الحديثة التي يجب أن تنتفع منها وتحسن استغلالها، لكن مع الانتباه أنه سلاح ذو حدين، كما أن الاختلاط الذي يتواجد على الكثير من المنتديات وغرف الدردشة قد يدخل في حيز الحرام، وبالتأكيد رقابة الأهل شيء مطلوب وضروري، لكن المنع ليس حلاً عملياً، وتربية الفتاة على تقوى الله أينما كانت في السر والعلن هي من أساليب الوقاية الفعالة في مثل هذه المشكلات، فالوازع الديني يجعل الفتاة تراقب نفسها أينما كانت وتعلم أن ألله يراها.