أصبح التحادُثُ مع الآخرين عبر الإنترنت كتابةً أو صوتًا، وهو ما يعرف بـ "الشات" أو "الدردشة"، من الأمور الشائعة؛ حيث يَنْدُرُ أن يكون هناك مَنْ لم يستخدم تلك الوسيلة، وكما أن لكل تقنية فوائدها وأضرارها، فإن الخطر الأكبر للشات يكمن في العلاقات التي ينخرط فيها الكثير من الفتيات والشبان؛ حيث إنها تضع الفتاة في بداية طريق الخطأ، وفي أقل الأضرار فإنها تجعلها تعيش في عالم من الأوهام، وهو ما ترفضه بعض الفتيات، مؤكداتٍ أن تلك العلاقات ليست بهذه الصورة السيئة، وأنها تمنحهن الفُرْصَةَ للتعرف على أشخاص وثقافات كان من المستحيل أن يتعرفن عليها في الواقع المعاش. وفي هذا التحقيق، نحاول أن نستمع لوجهة نظر الفتيات، ثم نضعها أمام المتخصصين، من علماء اجتماع ودعاة دين؛ كي يُوَضِّحُوا الأمر في هذه المسألة. البداية كانت مع سها، طالبة في الصف الثاني الإعدادي، فهي، رُغْمَ صغر سنها، من رُوَّاد النت، وخاصة المنتديات والشات، وتقول سها: أصبح لدي أصدقاء كثر عبر الشات قد لا أعرف عددهم، وفي أوقات الفراغ أتواصل معهم.. وأصبحت أعرف الكثير عنهم، ويعرفون الكثير عني، ونتبادل الصور، ونتواصل أحياناً بالشات الصوتي الذي أصبح متعةً أكثر من الشات العادي؛ لأني أسمع أصواتهم، وبالتالي أستطيع أن أُحَدِّدَ صدقهم من خلال الصوت، ولكني لا أؤيد فكرة حب شخص عبر الشات، ولا أعرف ماذا أفعل لو حدث ذلك معي؟ صداقة نعم.. حب لا أما نادين، في الصف الأول الثانوي، فتقول: العلاقات عبر الشات يمكن أن تكون مُضِرَّةً لو أنها تطورت لأمورٍ أبعد من الصداقة، لكن طالما حَدَّدْنَا من البداية نوع العلاقة، بأنها ستكون في إطار الصداقة، فما المانع؟ حتى لو كان الذي يتحدث معي على الطرف الآخر رجلًا، وما المشكلة طالما أن كلًّا منا يعرف حدود الآخر، وكيف يراعي مشاعر وآداب الحديث، ولو شعرت أن الرجل الذي أتحدث معه تجاوز حدوده، فسأقطع علاقتي على الفور معه. من جانبها قالت نهى، الطالبة في كلية العلوم: أحلى ما في الشات أنك تتحدث مع أشخاص لا تعرفهم، وأنا لا أحب أن ألتقي بمن أعرفهم عبر النت؛ لأن الموضوع سيكون مُمِلًّا ويُصْبِحُ عاديا، فالشات عالم يُعَرِّفُنا على أشخاص من أماكن ودولٍ مختلفة، وثقافاتٍ متعددة، وأحاديث لا تنتهي، وحكايات نستفيد منها في حياتنا. بدورها تحدثت "أماني" عن صديقةٍ لها أحَبَّتْ شابًّا عن طريق الشات، واستمرت علاقتهما لمدة ثلاث سنوات، وتقدم لها هذا الشاب وخطبها، ولكنّ العلاقة لم تستمر بسبب أنها اكتشفت أنه شَخْصٌ آخر غير الذي عَرَفَتْهُ وتحدثت إليه عبر النت؛ حيث شعرت أنه كاذبٌ وغَيْرُ موثوقٍ فيه. مخاطِرُ جَمَّةٌ الشات عالم محفوف بالمخاطر.. هكذا بدأ د.أحمد عبد الهادي، أستاذ علم الاجتماع في كلية الآداب جامعة القاهرة، حديثَهُ معنا، مُشِيرًا إلى أن هناك أضرارًا خطيرةً نتيجةَ بناء علاقات اجتماعية مع أشخاص مجهولين عبر النت. وأضاف: هذه العلاقات التي يقِيمُها الشباب عبر الإنترنت ينقصها العديد من الأمور، ومن أهمها الصدق. وأوضح د. عبد الهادي أنّ من أضرار العلاقات عبر الشات إمكانية قيام الفتاة بالإفصاح عن أسرارٍ شَخْصِيَّةٍ وعميقةٍ لشخصٍ لا تعرفه، إلا من خلال برامج الدردشة، الأمر الذي يُعَرِّضُها للابتزاز؛ حيث أصبحنا نسمع بشكل شبه يومي عن استغلال صورٍ أو معلوماتٍ يحصل عليها الشاب من الفتاة عبر الشات، ويُهَدِّدُها إذا لم تُنَفِّذ له ما يريد، وهناك آخرون يقومون بتركيب الصور واللعب بها عبر برامج الفوتوشوب، ويقومون بِعَرْضِ هذه الصور بشكلٍ مُسِيءٍ للفتاة عبر النت، وتصبح سيرة الفتاة نَهْبًا للألسنة. وحذر د. عبد الهادي الفتياتِ من خطر هذه العلاقات، قائلًا: للأسف غالبًا ما تكون الفتاة البريئة ضَحِيَّةَ هذه العلاقات؛ لأن هناك أشخاصًا لا يراعون ضمائِرَهُم، ويستخدمون الإنترنت لِأَغْرَاضٍ سيئةٍ، وينتحلون أسماء مستعارةً، وبلدانًا ليست هي بلدانهم! وعلى الفتاة أن تعرف أنه لا يُوجَدُ قانون للإنترنت حتى الآن يحمي الفتيات، وهنا يأتي دور الأسرة والإعلام؛ لتوعية الفتيات من خطورة هذه العلاقات والدردشة عبر الإنترنت. خطوات الشيطان الداعية الشيخ "مصطفى حسني" بدأ كلامه عن الفتيات اللاتي يَرْتَدْنَ مواقع "الشات" ويُقِمْنَ علاقاتٍ مع الشبان عبر النت، مُرَدِّدًا قوله تعالى: ((يا أَيُّهَا الذين آمنوا لا تَتَّبِعُوا خطواتِ الشيطان ومَنْ يَتَّبِعْ خطوات الشيطان فإنه يأمر بالفحشاء والمنكر ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكا منكم من أحدٍ أبدًا ولكنّ الله يُزَكِّي مَنْ يشاءُ والله سميعٌ عليم)) . وأوضح حسنى أنه لا يجوز تكوين صداقاتٍ بين الرجال والنساء عبر أيّ وسيلةٍ من الوسائل، سواء كان هاتفًا أو محمولًا أو عن طريق الشات ومواقع الدردشة؛ لأن الله سبحانه وتعالى نهى النساءَ عن اتخاذ الأخدان، ومعنى اتخاذ الأخدان أي الأصدقاء، فلا يجوز لفتاة أن يكون لها صديق من الرجال؛ لأن في هذا الأمر ذريعةٌ للوقوع في المحظورات التي تبدأ بالكلام، ثم الملاطفة، ثم يتحول الحديث لأمور أخرى خطيرة، تؤدي إلى خراب البيوت. وأضاف: كما أنني أنصح الآباء بضرورةِ التواصل مع أبنائهم، وأن يكونوا بمثابة أصدقاء لهم، لتوعيتهم من خطورة هذا الجهاز الخطير إذا استُخْدِمَ بشكل خاطئ، خاصةً وأن الإنترنت تَنْعَدِمُ فيه الرقابة، ولا يوجد أيُّ التزامٍ بالأخلاقيات، وبالتالي تُعَرِّضُ الفتاة نفسها لمخاطر لم تتوقعها، فقد يستغل الشاب الذي تحدثه صورةً لها، أو معلوماتٍ عنها، ويُسَرِّبُها لأصدقائه، ويُهَدِّدُ الفتاة بها . وتابع حسنى: إن الله تعالى حَرَّمَ الخلوة بين الرجل والمرأة، والشات خلوة؛ لأن الفتاة تتحدث إلى شاب، ولا أحد رقيبٌ عليهما، خاصة وهناك شات صوتي، وكاميرات، وكُلُّ منهما يرى الآخر، ويتحدث إليه، وفي هذا الأمر خلوة. وينهى الشيخ مصطفى حسني كلامه بقوله تعالى : ( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ )، ويحذر كُلَّ فتاة من التمادي في مثل هذه العلاقات، مُشَدِّدًا على ضرورة أن تحافظ كلُّ فتاةٍ على نفسها، وعلى براءتها، وطهارة قلبها؛ حتى تنتقل بإذن الله إلى بيتِ الزوجية، وتُصْبِحَ أمًّا صالحةً لأبنائها.