باتت قضايا الابتزاز حديث المجالس الذي لا يمل، وساهم في اتساع هذه الظاهرة الانفتاح الحضاري المدعوم بمتغيرات اجتماعية وحراك ثقافي الكتروني، وفي ظل غياب الجانب التوعوي والعقوبة الرادعة للتحرش والابتزاز، يجد بعض الشباب المتمرسين على أساليب الغزل والمعاكسات ضالتهم في التغرير بفتاة والحصول على صورها أو تسجيل مكالمتها، لتكون مصدرا ماديا جيدا بالنسبة له، وفي شبكة الإنترنت تصل هذه الظاهرة ذروتها على اعتبار المساحات المفتوحة للتواصل بين الجنسين، وأعمال «التهكير» أو القرصنة، التي من خلالها يمكن للمستخدم المحترف الدخول إلى أي جهاز، وجلب كل ما فيه من معلومات وصور وغيرها. وتبرز هنا ضرورة الإبلاغ عن أي مبتز، خصوصا أن الجهات المعنية، وتتمثل في مراكز الشرطة أو هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، تحرص كل الحرص على سرية البلاغ، وإنهاء القضية بهدوء. آخر ما كانت تتوقعه إحدى الفتيات وهي تقوم بتخزين صور عائلية لأسرتها في جهاز الكمبيوتر المحمول ـ اللاب توب ـ الخاص بها هو أن تتحول تلك الصور إلى كابوس يعرضها لمحاولة ابتزاز من قبل قرصان ـ هاكرز ـ عديم الضمير. ولم تكن هذه الفتاة هي الضحية الوحيدة للابتزاز الإلكتروني الذي طال الكثيرات من قريناتها اللواتي وقعن في المصيدة. ويستغل بعض ضعاف النفوس التقنية الحديثة أسوأ استغلال لنشر سمومهم في المجتمع. فالشبكة العنكبوتية كما يقول الباحث في مجال جرائم الإنترنت محمد عبدالله المنشاوي تعتبر سلاحاً ذو حدين يستخدم في الخير والشر. ومن استخداماتها الشريرة الابتزاز الإلكتروني الذي تتعرض له الفتيات نتيجة لإهمالهن أو جهلهن خاصة حينما يتركن كاميرا الكمبيوتر مفتوحة مما يجعلها عرضة لدخول الهكرز عليها وقرصنة بعض الصور. ولا يقف الأمر عند هذا الحد بل أن بعضهم يحولون الصور العادية إلى إباحية بتركيب الوجه على جسم عار ونحو ذلك. وحسب الباحثة النفسية والإجتماعية الدكتورة ميسون الدخيلان فإن من أبرز الأسباب التي تدفع الشاب للتورط في الإبتزاز الإلكتروني الفراغ، والبطالة وعدم تقدير مواهبه مما يصيبه بعقد نفسية تدفعه لممارسة سلوك انتقامي يتمثل في الابتزاز والاستمتاع به. وفي بعض الأحيان تكون الضغوط التي تمارسها العائلة على الشاب دافعا لانحرافه. أما الفتاة التي تقع في الفخ فهي في الغالب تعاني من فراغ أسري وعاطفي أو من الجهل.تعرفت (م.ع) على فتاة في حفل زفاف. قالت أن تلك الفتاة التي كانت تبدو وادعة من الظاهر استدرجتها للفخ المنصوب لها بإحكام. وأبلغتها بأنها تبحث عن عروس مناسبة لشقيقها. ولكي تنطلي الخدعة عليها أخرجت من محفظتها صورة فتوغرافية للشقيق الذي كانت الوسامة تبدو واضحة على ملامح وجهه، وحرصت على تسجيل رقم هاتفها الجوال.وبدافع الفضول ردت الضحية بعد تردد على اتصالات هاتفية متكررة كانت تتلقاها من رقم مجهول. ولم يكن المتصل سوى العريس المنتظر الذي أطنب في إطراء محاسنها ليسمعها كلاما معسولاً لم تسمعه من قبل. وقال أنه أحبها من الأوصاف التي ذكرتها له شقيقته. وطلب إمهاله حتى يجمع مبلغ المهر ليتقدم إلى أهلها طالبا يدها. ومع توالي الاتصالات الهاتفية بينهما شعرت بتعلقه الشديد بها. لكن حينما حان الموعد الذي حدداه للخطبة تخلف عن الحضور وأغلق هاتفه الجوال. وفي غمرة القلق الذي استبد بها لعدة أيام تلقت اتصالاً من شقيقة الخطيب لتبلغها بأنه موقوف في قضية شيكات بدون رصيد وهو مهدد بالسجن إذا لم يدفع المبلغ المطلوب منه والبالغ 50 ألف ريال خلال أسبوع بعد الإفراج عنه بكفالة.وكان يبكي بحرقة حينما اتصل بها ليعتذر عن تخلفه عن إتمام مراسم الخطبة في الموعد المحدد، وقال لها أنه ورث من والده قطعة أرض وفي حاجة إلى من يضمنه حتى يتمكن من بيعها ليسدد المطلوب منه. وبحسن نية قالت له أن كل ما لديها في حسابها البنكي مبلغ 10 آلاف ريال وفرته من راتبها حيث تعمل موظفة، ورد عليها طالبا منها تسليمه إلى أخته في منزل الأسرة ولن ينسى لها ذلك الجميل مدى الحياة.وبعفوية لا تخلو من سذاجة ذهبت إلى المنزل الذي وصف لها موقعه. وهناك كانت تنتظرها المفاجأة التي زلزلت كيانها، قلبت حياتها رأسا على عقب. ولم يتورع عن إبلاغها بالحقيقة قائلا لها أن شقيقته المزعومة هي زوجته. وطلب منها تحت التهديد بالسلاح خلع ملابسها، ومن ثم قام بتصويرها بكاميرا فيديو وهي عارية تماما كما ولدتها أمها.بعد أن انكشفت الأقنعة بدأ النصاب مسلسل الابتزاز بصورة سافرة، وهدد بفضحها ونشر صورها العارية على شبكة الانترنت. ورضخت صاغرة في محاولة يائسة للملمة كرامتها المجروحة. دفعت له في البداية مبلغ 100 ألف ريال، لكن لم يكن لجشعه حدود، وظل يمارس معها أبشع أنواع الابتزاز طيلة 3 سنوات إلى أن وصل المبلغ إلى 200 ألف. وأصيبت بحالة من الاكتئاب اضطرتها للعلاج في إحدى المستشفيات النفسية.وبحرقة وألم روت فتاة أخرى تدعى (س.ل) مأساتها، مشيرة إلى أنها تعرضت لابتزاز وانتهاك عرض من قبل ذئب بشري استغل علاقات أسرية أبشع استغلال. وقالت أنها كانت ما تزال طالبة في الجامعة حينما تسلل إلى غرفتها ابن زوج أمها في وقت كانت فيه لوحدها في المنزل، ونال منها ما أراد. ولم يكتف بفعلته الدنيئة بل التقط لها صورا عارية بينما هي في حالة انهيار تام. ومثل الكثيرين من أمثاله ظل يهددها بنشر صورها في مواقع الانترنت ليضمن صمتها. وانتهى بها المطاف إلى إدمان استخدام الحبوب المنومة للهروب من واقعها المرير، ومن ثم تدهورت حالتها الصحية. والآن تتلقى علاجا نفسيا بعد أن كشفت بعد فوات الأوان لوالدتها ما حدث لها. بيد أن حسن التصرف أنقذ الفتاة (ن.ف) من مصير مماثل لمصيري (م.ع) و(س.ل) فهي كما تقول تعرضت لمحاولة ابتزاز من عامل في محل لصيانة أجهزة الكمبيوتر بعد أن حصل على صور فاضحة مخزنة في جهازها الذي سلمته للمحل لصيانته. ولم تجد بدا من مصارحة شقيقها الذي تدخل في الوقت المناسب. وانتهى الأمر بدون فضائح وفصل العامل من عمله. يقول الشيخ الدكتور محمد بن يحيى النجيمي عضو المجمع الفقهي وأستاذ الفقه المقارن في المعهد العالي للقضاء وعضو لجان المناصحة أنه يرى أن العقوبة المطبقة حاليا على من يبتزون الفتيات كافية لردعهم. ودعا الأسر إلى تفهم وضع فتياتهم اللواتي يتعرضن للابتزاز بدلا من معاقبتهن خاصة حينما يصارحن أحد أفراد الأسرة بما وقعن فيه. وأضاف للأسف في مجتمعنا لو أخطأ الشباب يتعاطفون معه أما الفتاة إذا أخطأت تعتبر مدانة. وقد واجهتني بعض الحالات التي تعرضت فيها الفتاة للإبتزاز من قبل بعض الشباب وتم إنهاء القضية من خلال التصيد لهؤلاء الشباب والإطاحة بهم.ورأى المحامي فواز عبدالرحمن أزهر أن ابتزاز الفتيات يعتبر من الجنايات الدخيلة على المجتمع السعودي وهي تقع ضمن جرائم العرض والآداب العامة وتأخذ عدة أشكال مثل إساءة السمعة أو التهديد أو الإبتزاز. ولتجنب الوقوع في المصيدة يطالب نضال حسان ـ مهندس شبكات كمبيوتر ـ الفتيات باستخدام برامج حماية لأجهزة الكمبيوتر الخاصة بهن والتأكد من تحديثها سواء جهاز المستخدم أوجهاز الطرف الآخر عند أي اتصال بالإنترنت كي لا تحدث اختراقات من الهاكرز الذين يمكنهم بسهولة اختراق أجهزة اللاب توب المزودة بكاميرات. كما أن لديهم القدرة على التقاط الصور ومقاطع الفيديو دون علم المستخدم. ويرى الشيخ أحمد قاسم الغامدي مدير عام هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في منطقة مكة المكرمة أن إتاحة المعالجة الآمنة للطرف المتضرر تساهم في الحد من انتشار الابتزاز وردع كل من يقدم عليه.