ترك الوالدان تسع بنات وطفلا وراءهما, بعد أن توفيا في حادث سير. في تلك الفترة كنت في الدراسة الجامعية، وعلى وشك التخرج، وقد أضمرت في نفسي حينها الزواج من إحدى هذه البنات؛ شفقة, وبراً, وإحساناً لهذه الأسرة، ويبدو أن هذه النية كانت لدى كثير من أصحابي. ففي السنة الأولى من هذا الحادث تزوج ثلاث من هذه البنات في ليلة واحدة، وفي السنة التالية تزوجت اثنتان في ليلة واحدة، تخرجت في الجامعة ومازالت الفكرة تراودني، وفعلا تقدمت لخطبة إحداهن وكان عمرها خمس عشرة سنة، ولي معها حوالي ست سنوات من زواجنا، وهي إنسانة متدينة، أمينة، عفيفة، وجميلة الخَلق والخُلق، وقد رزقني الله منها ولدين، وأقولها بكل صدق : إنني أعيش معها حباً عظيماً، وحياة طيبة، وكوّنت معها أسرة سعيدة، ووجدت فيها كل الصفات التي يتمناها الزوج في زوجته، وقد أصبحت بالنسبة لي مصدر سعادة وأنس وطمأنينة وهناء، وراحة نفسية أجد حلاوتها وأنا أكتب هذه الكلمات، كثيراً كنت أسأل نفسي : كيف أحافظ على هذه الحياة وهذه الأسرة ؟ خاصة أنني لا أصنف نفسي من أهل الصلاح، لكنني - بحمد الله- من المحافظين على جميع الصلوات في المسجد، وعلى قيام الليل، وعلى وشك حفظ القرآن الكريم، ومطهر بيتي من القنوات والغناء وصور النساء. نظرت حولي وسمعت قصصاً كثيرة عن المشكلات الزوجية والبيوت غير المستقرة، وحمدت الله على ما أنا فيه من نعمة، ومن حينها توقفت عن التفكير في هذا الأمر، والتفت إلى أسرتي حتى لا تفوتني لحظة من اللحظات السعيدة.أفلام خليعةمشكلتي أن والدتي وأختي تعيشان في بيت الوالد، وهذا البيت غير مناسب؛ لأنه يعيش معهما ابنٌ مختل نفسياً، دائم السكر ومشاهدة الأفلام الخليعة، ويحضر معه رفقاء السوء لهذا المنزل، وليس هناك من يردعه, وآخر مختل نفسياً أيضاً، دائم الصراخ على والدتي وتهديدها, والوالد متزوج بأخرى، ويعيش هناك أغلب الأوقات إلا بعض الساعات يأتي لينام، وعندما نخبره يخاف مواجهة الأمر، ويدعي أن شيئا لم يحدث أو يقول : ادخلوا الغرفة واقفلوا على أنفسكم الباب, وهو يذهب إلى منزله الآمن، والآن عندما هرم والدي تعقدت الأمور، وأصيبت والدتي بالمرض من المعاناة وخوفها على أختي, فعرض عليها إخوتي الكبار المتزوجون في مدينة أخرى أن يستأجروا شقة تكون مناسبة وآمنة لهما ليعيشا فيها، لكن أبي رفض بشدة، وهدَّد أمي بالطلاق والغضب عليها إن هي ذهبت لهذه الشقة؛ لأن زوجته الأخرى اشترطت عليه أن تخرج في منزل جديد إن هما خرجا, مع العلم بأنها تقيم وحدها في منزلها, ومع العلم أيضاً بأن والدي لا يستطيع حمايتهما أو إيقاف أحد من أبنائه عن التصرفات البذيئة، وهو غير مهتم البتة بما يحدث، ووالدتي خافت من غضب الله عليها إن لم تطعه, لكن هذه الشقة هي أفضل لهما ألف مرة وآمن من منزله، وهي في حيرة من أمرها أتعصيه لتعيشَ في أمان، أم تطيعه وتعيش في قلق. نصحها بعض الأهل في الموافقة على طلب ابنها أن تعيش في شقة أخرى ولو مؤقتاً ربما يتغير سلوك والدي، والحمد لله فقد قامت مشكلة كبيرة بين والدي وزوجته الأخرى فطلقها وعاد إلينا بكل ما يملك من عطف حتى يعوض ما فقده في تلك السنوات.ذئب بشريوقعت في مشكلة محادثات الهاتف منذ أن كنت مراهقة، وكيف لا وأنا فتاة وحيدة بين أب يكابد في الحياة، وأم قد أحست بملل الحياة، وأربعة إخوة لا يعرفون إلا مصالحهم، وللأسف لم أجد من يسمعني، ولم أحس بحب أحد، فاستغل هذا الموقف أحد الذئاب، وكان يكلمني دائما، واستمرت المكالمات إلى أن تزوج الشاب، وشعرت بنوع من الوحدة، لكني لم أفكر في شيء آخر، وشعرت بأني غريبة ووحيدة وثقيلة وسط أهلي، ولم أشعر بأنهم يحبونني!! وكثرت بعدها المكالمات والتعرف إلى أن تعرفت على ذئب خطير جدا عوضني عن الدنيا ومن عليها، ولم أكن أتمنى شيئاً إلا وجدته أمامي رغم فقره. فقد وضع الدنيا بين يدي، وذهب وطلبني من أبي. في البداية الجميع وافق، ثم انتكس الحال وتغيرت الأحوال، وحدثت مشكلات على إثرها تدمر الوضع بيننا، وحين شعر باليأس طالبني بكل ما صرفه علي، فكان يأخذ فواتيري ويسددها دون علمي، وكل فترة يضع في حسابي مبلغاً لم أطلبه، وكنت أخاف أن أضيعه مع فلوسي، وكان يقول : ضيعيه فداك، والآن سجل كل ما صرفه علي وطالبني به، وهددني إذا لم أعطه كل ما صرفه علي فإنه سيشوه سمعتي ويفضحني. حاولت مجاراته في بادئ الأمر ووعدته بأن أرجع له كل فلوسه، وفعلاً شرعت في ذلك الأمر، لكنه كان يرفض في كل مرة، ومع إصراري أكملت له المبلغ وحينها شعرت بالحرية والانعتاق.